الرفيق الأعلي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إنِّ عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله


    مشيئة الخالق عز وجل وإرادته, ومشيئة العبد وإرادته

    avatar
    mustafa


    المساهمات : 4
    تاريخ التسجيل : 27/04/2010

    مشيئة الخالق عز وجل وإرادته, ومشيئة العبد وإرادته Empty مشيئة الخالق عز وجل وإرادته, ومشيئة العبد وإرادته

    مُساهمة  mustafa الثلاثاء أبريل 27, 2010 3:59 am

    بســـــــم الله الرحمـن الرحـــــــيم

    مفهوم الإرادة والمشيئة في ظل: قول الله عز وجل {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} ( الكهف : 29) وقوله عز وجل {إن هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ .. ِلمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ.. وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(التكوير : 29 )
    ) كيف يمكننا أن نؤلّف بين كلا الأمرَين وكيف نفرق بين هذه الآيات التي زلت بها أقدام، وضلت بها أفهام)
    وأتمنى من الله ألَا يضيّع هذا البحث في مهب الريح و أن يجعله الله اللبنة الأولـى في نهضة هذه الأمة إلى سالف مجدها و أن ينفض به الغبار الذي تراكم على هذه الأمة بسبب اعتقادنا الخاطئ في فهم {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
    الحمد لله الذي خلق الإنسان من تراب ثم خلق الإنسان من علق، وعلم الإنسان بالقلم و علم الإنسان ما لم يعلم، و أصلى و اسلم على من علمه الله علم ما لم يكن يعلم و كان فضل الله عليه عظيم....وبعد
    أجمع أهل السنة والجماعة من خلال عقائدهم، على إثبات أن للحق سبحانه و تعالى مشيئة ولخلقه مشيئة، ولكن مشيئة خلقه لا تتم إلا بمشيئته وهذا أصح الاعتقاد في عموم مشيئة العبادة، و لكن لم يَصيبوا في الفصل بين إرادة و مشيئة الحق سبحانه و تعالى و إرادة و مشيئة خلقه مما أَدى إلى تأويل عبارة (من يشاء) تأويلاً خاطئاً، ومن هنا تفرعت السبل و اختلفت العقائد بين المسلمين و منه نشأت الفرق المعروفة اليوم، وهذا البحث سوف يكون الشرارة الأولى إن شاء الله في توحيد عقيدة الأمة و نزع الاختلاف بينها و برغم ندرة علمي في اللغة العربية من حيث النحو و الصرف و البلاغة وغيرها إلا إن الله سبحانه و تعالى منّ عليه بفهم آيات من كتابه اسأل الله أن تنفع الأمة و أن يحشرني بها مع الأنبياء و العلماء و الصالحين و تكن صدقة جارية و زاد يلحقني بعد مماتي .
    أُسس أصول الفكر العقائدية على فقدان ذلك الفرق بين المصطلحين (الإرادة والمشيئة) وهنا يقع الإشكال؛ وهذا الفهم وبهذه الطريقة أَدى إلى تأويل آيات من كتاب الله كثيرة تأويلا خاطئا, وبعبارة أوضح أن عبارة (من يشاء) المذكورة في القرآن الكريم قد أَخذت نصيبها الوافر من التحريف وسوء الفهم، ذلك أن الضمير في (من يشاء) يمكن أن يعود إلى لفظ الجلالة (الله)، فيكون المعنى في ذلك الشأن، أَن الله هو الفاعل فلا يكون للعبد إرادة ولا مشيئة، وكذلك يمكن عودة الضمير إلى (من) فيكون العبد هو صاحب المشيئة والإرادة؛ فالقرينة هي التي تقرر الفاعل أو المقصود من الضمير أهو لفظ الجلالة (الله) أمّ (من) عند استقرائنا تلك العبارات في آيات القرآن الكريم نجد أنها تنقسم إلى قسمين واحدة تعود إلى اسم الجلالة وأخرى تعود إلى العبد، ولكي نصل إلى فهم صحيح لهذه العبارات المشتركة بين العبد والرب و ننزل عبارة (من يشاء) في منازلها الصحيحة يلزم علينا أولاً: أن نفرق بين المشيئة و الإرادة، في تركيب الفعل الإرادي بحيث لا يكون عندنا شك أن هذا الفعل يطلق عليه إرادة وهذا الفعل مشيئة ومن خلاله نفهم من هو المقصود بعبارة (من يشاء) و نحاول فيما يلي و حسب قدرتنا المتواضعة أن نستوضح تلك المنظومة التي تبدو من خلال النظرة العامة في آيات القرآن الكريم مركبة من المركبات المعقدة وهى في الحقيقة واضحة و بسيطة جداً ، لمن يستعين بالعقل في فهم رسالة الله عز وجل الموجهة لنا من خلال التدبر في آيات القرآن الكريم و بالمنطق البسيط ومن خلال العقل الممنوح لنا من الخالق لان المشيئة و الإرادة كانت و لازالت إلى يومنا هذا موطن من مواطن اختلاف العقائد، وعلى كل قارئ أن يصل بنفسه لقناعة تعينه في حركته في الحياة التي غاية إيجاده فيها لعبادة رب هذه الحياة، وهي معبر لحياة الآخرة، و ليس هناك شيء ألذُّ ولا أطيبُ ولا انفع للعبد من أن يعبد الله بإيمان حق أساسه الاعتقاد الحق والفهم الصحيح كما قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ .. أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(الأنفال : 4)
    و الله المستعان وبه التوفيق.
    تنقسم الهداية في كتاب الله إلى قسمين :-
    {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(البقرة : 159)
    القسم الأول: هداية الدلالة، وهي التي تثبت صدق الرسالة و المرسل لجميع العباد إثبات قطعي الدلالة بلا أدنى شك ويطلق عليها في كتاب الله الآيات البينات وهي في كتاب الله تتمثل في الإعجاز اللغوي في جميع مجالات اللغة العربية، والإعجاز العلمي في جميع مجالات العلوم والمعارف و دليلها في كتاب الله قول الله عز وجل{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }(الحج : 16)
    القسم الثاني: هداية التشريع الدالة على الصراط المستقيم لجميع المؤمنين و يطلق عليها الآيات المبينات وتتمثل في جميع ما شرّع الله من أمر ونهيٍ لعباده و دليلها في كتاب الله قول الله عز وجل{لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(النور : 46)
    وهذه الآيات البينات والمبينات إذا اجتمعت في آية واحدة يطلق عليه صفة هي (البرهان) في حالة الدليل على الفعل و مشروعية الفعل مثال قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة :178) هذه الآية بينة (الدلالة) معجزة من حيت انه ليس في مقدور احد أن يأتي بمثلها و مبينة (لشرع الله عز وجل) مبينة كيف نطبق شرع الله فهي برهان ونقول كل بينة مبينة برهان هذا الوجه الأول، ونفس الآية قرآن من حيث الآية مقرونة هدى وبينة من الهدى، ونفرق بها بين الحق و الباطل مثل قول الله عز وجل { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة : 185) وإذا عكسنا القاعدة هكذا مبينة بينة تصبح (هدى، قرآن) وهذا الوجه الثاني للآيات البينات و المبينات، هذا الاستنتاج الأول من الآيات البينات و المبينات في كتاب الله و شرحنا هذا في بحث منفرد في التفريق بين القران و البرهان لمن يريد المزيد ثم نأتي إلـى :

    الأفعال الإرادية و المشيئة :
    الفعل ينقسم إلى قسمين:-
    يريد و أراد:-
    يريد:- هذه الكلمة تطلق على عموم السبب مثل قوال الله عز وجل {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } (الكهف :77) أي وجود مجموعة الأسباب من تشقق و تحلل المواد التي تؤدى إلى قض الجدار وقوله عز وجل {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}(النساء : 27) أيْ أن الله جعل مكفرات الذنوب لهذا السبب ليتوب عليكم و المكفرات مجموعة كثيرة من الأساليب، أي مجرد وجود اثر الأسباب فقط .
    أراد:- و هو مشتق من يريد أراد و يطلق على قصد الفعل المراد، ولا تطلق كلمة أراد على فاعل إلا من كان يملك القدرة و الاستطاعة وهي ما يقوم عليها الفعل المراد مثال قول الله عز وجل {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}(التوبة : 46) أي قصد الفعل بمعنى إعداد ما يقوم عليه فعل القتال و الخروج إليه وقوله عز وجل {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}(الأنبياء : 70) أي يعنى بقوله أرادوا به كيداً انه كان عندهم السبب وهو نقمتهم على إبراهيم بسبب تحطيم آلهتهم و وجود القدرة على الفعل و وجود الاستطاعة وهي ما أعدوه من حطب وقود للنار، فأبطل الله فعلهم.
    ومن ها هنا قلنا في بحثنا السابق في الإرادات إن الفعل الإرادي يحتاج إلى ثلاثة عناصر السبب القدرة الاستطاعة ولا يطلق على أي فعل كلمة (إرادة) ولا تصح هذه الكلمة عربياً ما لم تكن بهذا الشكل و بينا هذا في بحث الإرادات في قصة العبد الصالح وسيدنا موسى لمن يريد المزيد .
    فكلمة أراد مصدرها يريد فكلما جاءت أراد فاعلم أن مصدرها سبب وهو يريد؛ مثال... عندما فسر العبد الصالح لسيدنا موسى عليه السلام قصة خرق السفينة قال {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}(الكهف : 79) فذكر السبب مقدماً و القصد من الفعل وهو خرق السفينة كون السفينة لمساكين يعملون عليها ووجود الملك الغاصب، والفعل كإرادة قائم بالقدرة وأثرها الخرق الظاهر على هيكل السفينة، و الاستطاعة العلم وأثرها ظاهر مقدماً في علم العبد الصالح بانصراف عين الملك الغاصب عنها حال وجود الخرق على هيكل السفينة،وكل من ينتقل من المطلب يريد إلى الفعل أراد من الضروري إن يتوفر عنده الشرطان القدرة و الاستطاعة لكي يطلق عليه كلمة أراد فالفعل له ثلاثة أوجه إما أن يكون فعل إرادي يتكون من السبب و القدرة و الاستطاعة و إما أن يكون فعل عبث يتكون من القدرة و الاستطاعة و إما أن يكون فعل هم يتكون من السبب و القدرة،وهذه الثلاثة آيات تبين الأفعال الثلاثة قوله عز وجل {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} قوله عز وجل { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} قوله عز وجل { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} .
    شـاء و يشاء:-
    شــاء:- هذا يطلق على تكييف نوع الفعل بما يتناسب مع السبب العمومي مثال قول الله عز وجل {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}(الكهف : 77) ولم يقل له (لو أردتَ لاتخذت عليه أجراً) لأنه يعرف سبب إعادة بناء الجدار و القصد وذلك لوجود التشقق الظاهر عليه و انه أوشك علي السقوط وقال له (لو شئت) أي تكييف الفعل بأن تتخذ عليه مقابلاً لان للفعل عدة وجوه ممكن أن تتخذ عليه.
    قول الله عز وجل {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(النحل 93) أي انه حال أراد خلقنا لو شاء الله في الكيفية التي نكون عليها لجعلنا امة واحدة مجتمعين على الهدى ولكن جعلنا مخيرين يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
    يشاء:- مشتق من شاء يشاء هذا يطلق على تطبيق الفعل بعد تكيفه كمّاً و كيفاً بما يتناسب مع السبب العمومي مثال قول الله عز وجل {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران : 6) ابتداءً الله يريد خلق عبادًا، عندما أراد خلق العباد، في الكيف شـاء الله أن يجعل للعباد صوراً، وعند تطبيق الفعل يصور كيف يشاء كماً و كيف مع ما يتناسب مع هيئة العباد وهذا التسلسل المنطقي للفعل الإرادي و المشيئة وهي لا تخرج عن هذا النسق .
    مثلا... في قول الله عز وجل {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}(الشورى : 49) والسماوات و الأرض جعلها الله وعاء لجميع المخلوقات وقوله عز وجل (يخلق ما يشاء) يعني بالتنوع في المخلوقات كماً و كيفاً و فعل المشيئة التنوع يتناسب مع السبب العمومي وممتد منه وهو كون الله تعالى أراد إيجاد العالمين، و في الكيف شاء أن يكون خلقه متنوع، وفي تطبيق الفعل ينوع خلقه كيف يشاء كماً و كيفاً، وليس إرادة منفصلة جديدة لذلك جاء التصنيف بعد هذه الآية قوله عز وجل {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً}(الشورى : 49) تكلم عن التنوع في الإنسان و ختم الآية بقوله عز وجل انه (عليم قدير) و كونه عليم إشارة إلى الاستطاعة و كونه قدير إشارة إلى القدرة وهما الشرطان الذي يقوم عليهم الفعل الإرادي .
    الخلاصة: لهذا التعريف إن كلمة يريد تعني عموم السبب كماً؛ و أراد قصد الفعل، وشاء قصد نوع الفعل كيفاً، ويشاء تطبيق الفعل كماً وكيفاً كما شاء مع ما يتناسب مع عموم السبب، فكلمة )يريد, أراد, شاء, يشاء( تقع في الفعل الواحد ولا تفصل، فالإرادة تؤدي إلى المشيئة و المشيئة تعود إلى الإرادة, ومصدرهما الأول يريد وما من مشيئة ألا وتسبقها إرادة فمثلاً... مشيئة التنوع في الخلق سبقها إرادة أيجاد الخلق العمومية فجميع ما يحدث في الكيف من تنوع في الخلق فهو مشيئة وفي الكم فهو تقدير كما قال الله عز وجل {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}(الفرقان : 2) فمن حيث العموم في الإيجاد يفعل ما يرد ومن حيث الكيف في الإيجاد يفعل ما يشاء،فعندما بشر زكريا بغلام وليس له أسباب الإنجاب قال عز وجل{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}(آل عمران :40 ) أي يفعل ما يشاء في الكيف بدون وجود أو عند وجود الأسباب
    وقولهعز وجل{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(آل عمران :40 ) أنى شئتم هذه إشارة إلى الكيف أي كيف شئتم وليس إلى المكان فلمكان أشار إليه بقوله نساؤكم حرث لكم
    (و قس على هذه القاعدة في جميع كتاب الله العزيز فلن تجد مشيئة مفصولة عن إرادة أبداً ولن يشكل عليك تفسير آية من آيات المشيئة والإرادة ) .
    وهذا مثال... من واقع الحياة نبين به القاعدة ، زيد من الناس رب لأسرة تتكون من ثلاث أبناء و بنتان وزيد يحتاج إلى مسكن هذا مطلب من المطالب لكل رب أسره نقول زيد (يريد) مسكن هذا السبب,
    زيد يملك القدرة لتنفيذ فعل البناء ويملك الاستطاعة المواد اللازمة للبناء عند إعداد هذه المواد قصد الشروع في التنفيذ نقول زيد (أراد) بناء مسكن هذا القصد،
    زيد كيّف المسكن بما يتناسب مع الأسرة خطط لبناء حجرة للبنات و حجرة للأبناء وحجرة له هو وزوجته مع حمام ومطبخ ووضع لكل حجرة مقاسها من طول وعرض نقول (شاء) زيد بناء المسكن بما يتناسب مع أفراد أسرته هذا كيف,
    زيد نفذ بناء المسكن فعلاً كماً و كيفاً كما شاء نقول عمل زيد المسكن كيف ( يشاء)........
    المشيئة الكيف و الكم متناسقة مع السبب لأن السبب مطلب عمومي، و المشيئة تكييف متناسق مع المطلب، و الإرادة متناسقة مع الفعل لأن الفعل قائم على استطاعة وقدرة، و النتائج متناسقة مع السبب، وبينا هذا في بحث التفريق بين الإرادة و المشيئة لمن يريد المزيد.
    تطبيق هذا البحث في تفسير قول الله عز وجل {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }(الحج : 16) قول الله عز وجل {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(النور : 46) ماذا يعني بقوله عز وجل في الآيات البينات أن الله يهدي من يريد، وفي الآيات المبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, كيف نفسر هذه الآيات على القاعدة السابقة متى نكون نريد الهداية و متى نكون نشاء الهداية، و احبس أنفاسك من هاهنا نشأة الفِرق ومن هاهنا نقطة ضعف الأمة و ما من فرقة من الفرق اليوم على صواب في فهم الإرادة و المشيئة في هذه الآيات .
    أولاً:- نبحث عن من قصد الله عز وجل بقوله {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ} من هو الذي يريد الهداية وعنده هذا المطلب ويبحث عنه، نجد دليلين، في كتاب الله تعالى آية, و في الحديث الشريف حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم, بهذا المعنى تذكر ما فطر الله عليه العباد في أصل الخلقة الآية وهي قول الله عز وجل {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الروم : 30) حنيفا مائلاً إلى التوحيد و الدين فطرة الله التي فطر الناس عليها خلقته التي ألزم فيها هذا الإحساس و الميل إلى البحث عن أصل المنشأ.
    والحديث، حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم (كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصرانه كما تناتج الإِبل من بهيمة جمعاء، هل تحسُّ من جدعاء)، قالوا، يا رسول اللّه، أفرأيت من يموت وهو صغير، قال، (اللّه أعلم بما كانوا عاملين).
    وقوله صلي الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد ويؤيده قوله تعالى قبلها فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله واليه يشير الحديث.
    من هذا المنطلق كون الإنسان فطره الله تعالى على التوحيد منذ خلقه الله يولد وهو يحمل بين جنبيه البحث عن الإله و الخالق المبدع لهذا الكون والمنعم الذي يؤول إليه الصنيع كله لكي يؤلهه ويشكر المنعم على نعمته عليه و يستعين به على شؤون حياته، فهذا يعتبر مطلب من مطالب الفطرة التي فطر الله الناس عليها كما قال عز وجل {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}(الزخرف : 9).
    وكل عبد من عباده يبحث عن هذا الشيء بفطرته فهو مريد والله تعالى عندما قال {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أشار إلى هذا بقوله (كذلك) بهذه الكيفية آيات بينات لكي يهدي الله من يريد الهداية من عباده ، هناك من عباد الله من صدق و آمن بالرسالة و الرسول المرسل من الله تعالـى و اتبع الفطرة التي فطره الله عليها وهناك من كفر و فسق وجحد فطرته كما قال الله عز وجل {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ}(البقرة : 99)
    من اتبع الفطرة و آمن من عباد الله أصبح عنده إيمان بالله وتصديق برسالته ورسوله وأراد أن يعبد الله و شاء أن يستقيم، أنزل الله تعالى منهج تشرعي بمشيئته هو لكي يعبد به فقال عز وجل {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}هكذا ابتداءً يريد الله عباداً يعبدونه، فعندما أراد الله خلق عباداً لعبادته، في كيفية العبادة شاء الله أن يعبد بهذا التشريع الذي اختاره وهو الآيات المبينات التي انزلها على رسوله في قوله عز وجل {رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً}(الطلاق11) يتلو عليكم آيات الله مبينات أي يخذها من المصدر الوحي إلى العباد ويبينه قولاً و تطبيق وهذا ما عنى الله بقوله عز وجل في كتابه العزيز {اِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ .. ِلمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ .. وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(التكوير : 29) فمشيئة العبد في نوع الاستقامة كيفاً و كماً محكومة بمشيئة الله على حد قوله عز وجل {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}(الإنسان : 30) فأثبت للعباد مشيئة الاستقامة بقوله {مَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} لكن في الكيف والكم مقيدة بمشيئته تعالى بقوله {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وهو الحكيم في شرعه وقدره .
    تفصيل هكذا العبد اهتدى بالآيات البينات من يريد و أراد أن يعبد الله و شاء أن يستقيم و في الكيف و الكم عبد بما يشاء الله و لم يكيِّف عبادةً بنفسه هذا ما عنى الله عز وجل بقوله {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فقوله عز وجل (و ما تشاؤُون إلا أن يشاء الله) ليس نفي للإرادة و الإشاءة و الفعل للعبد، وإنما نفي للكيف و الكم ونحن نعبد الله بما يشاء هو كيف و كماً لماذا؟ لان الله عز وجل كما قال في كتابه العزيز {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}(المدثر 56) نضرب مثالاً والأمثلة تضرب ولا تقاس على فعل الله، عندما تأتي بعامل لبناء بيتك السؤال هل العامل يقوم ببناء البيت بمشيئته هو كيفاً و كماً أم بمشيئتك أنت صاحب البيت و لله المثل الأعلى، و إذا كانت العبادة مطلب من الله كما قال عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الداريات 56) وتعود إليه التقوى و المغفرة كما قال عز وجل {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }(الحج 37) فهل نعبده بما يشاء هو سبحانه الذي لهو الدين و يناله التقوى منا أم بما نشاء نحن؟ وهو الذي يقول لنا يوم الجزاء عز وجل { فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وقوله عز وجل {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} مرتبطة مع قوله عز وجل {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}و تفسر بها ومن هنا يطلق على كل محدثة في العبادة بدعة وقوله عز وجل {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .. وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً .. يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(الإنسان : 29. 30. 31) و قوله يدخل من يشاء في رحمته (من يشاء) الضمير عائد على العبد وليس على الله وصدق الله العظيم إذْ يقول {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}(سبأ : 50) وهذا وعدُ الله من قبل منذ أمر أبانا آدم و أُمّنا حواء بأن يهبطا من الجنة قال عز وجل { قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة : 38) والخطاب موجه إلى جميع أبناء آدم ونحن متبعون في حال تطبيقنا لشرع الله وليس مبتدعين وكل من كان هذا منهجهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقال عز وجل { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (الأنعام 48) .
    وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن) هذا في الإيجاد المشيئة الكونية يريد أراد و شاء الإيجاد بكيف وكم و في تطبيق الفعل أوجد كيف ما يشاء ومن هذه المشيئة وجودنا على هذه الكيفية مخيرين { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } أي انّ الله يريد خلق عباد يعبدونه، عندما أراد إيجاد العباد، في الكيف شاء أن نكون مخيرين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،و في تطبيق الفعل خلقنا كيف يشاء كمّاً و كيفاً بما يتناسب مع السبب كوننا مخيرين منحنا العقل القدرة الاستطاعة و غيره، و هذا ما عنى بقوله عز وجل (وقل الحق من ربكم).
    ونقول كل شيء موجود في الكون مخلوق بمشيئة الله ومن ضمنها أفعالنا {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } وكل فعل مفعول منا كوننا مخيرين بأذن الله وليس كل فعل مفعول بمشيئة الله فكل فعل منا يرضى عنه الله هو مما شاءهُ الله و كل فعل منا لا يرضى الله عنه هو مما لا يشاء الله فعله و أوجده بمشيئته، فقوله يهدي من يشاء،أي من شاء من عباده الهداية إلى ما شاء الله وشرعه لعباده مما أوجده الله بمشيئته.
    ويضل من يشاء،أي من شاء من عباده الضلال إلى ما يشاء بنفسه مما أوجده الله بمشيئته و لم يشرعه لعباده.
    مثال... الخنزير نوع من أنواع خلق الله خلقه الله بمشيئته و حرم بمشيئته الشرعية أكله فمن اهتدى بهدى الله و امتنع عن أكله امتنع بنفسه مختار مشيئة الله وهو شرعه و أطاع الله، و من أكل منه ضل و أكل بنفسه مختار بمشيئته هو مما أوجده الله بمشيئته و حرم أكله بمشيئته الشرعية و عصا الله.
    {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}(الأعراف 179)
    {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(السجدة :13 )
    لذلك كان الاهتداء والضلال في الدين، وقف على العباد وسنة من سنن الله تعالى التي لا تتبدل كما قال الله عز وجل{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(الرعد : 11)
    وقال الله عز وجل{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(النحل : 93) فكيف نسأل عما كنا نعمل إن لم يكن فعل الهداية والضلالة بأيدينا ولنا فيه إشاءة و فعل وقال تعالى لرسوله صلي الله عليه وسلم {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ}(يونس : 108) وقوله عز وجل لرسوله صلي الله عليه وسلم { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(القصص : 56) يهدي من يشاء الضمير عائد على العباد وليس على الله ولماذا قال يهدي من يشاء ولم يقل من يريد؟ هذه الآية نزلت في حرصه صلي الله عليه وسلم على إسلام عمه أبي طالب فكان يطلب منه نطق الشهادة و كما هو معروف من حديث جبريل عليه السلام إن الإيمان عقد في القلب والإسلام عمل بالجوارح ومنه نطق الشهادتين باللسان فقال له يهدي من يشاء مصداقاً لقوله عز وجل {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وهذا إن شاء الله سوف نفرد له بحثاً نتكلم فيه عن الفرق بين الإيمان و الإسلام نفسر فيه قول الله عز وجل {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} قوله عز وجل {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(الشورى : 52) هذه الآية المخاطب بها رسول الله صلي الله عليه وسلم وليس عموم العباد وقوله )نهدي به من نشاء من عبادنا( الضمير عائد إلى الله و العباد المختارون هم رسل الله إلى الناس {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(الحج : 75) {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(إبراهيم : 11) وخاطب الرسول صلي الله عليه وسلم في آية ثانية فقال عز وجل{وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى}(الضحى : 7) ومن المعلوم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يعبد صنماً وهو معصوم قبل الرسالة وبعد الرسالة وتعني كلمة (ضال) أنه لا يعرف كيف يعبد الله عز وجل وكل من يبحث عن السبيل فهوَ ضال السبيل إلى أن يجده ويهتدي به وكل من كان على السبيل وتركه فهوَ ضل سواء السبيل {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ}(البقرة : 108) .
    والله تعالى جعل الهدى و أمرنا بإتباعه و نهانا عن إتباع السبل {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام : 153) {اِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }(الإنسان : 3) وقال تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } وعندما آمنا بالبينات زادنا هدى بالمبينات كما قال عز وجل {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}(محمد : 17) ففعل الكافر والمؤمن يشتركان في وقوعه بإذن الله أذِنَ الله لهما، وهما مخيران بين طريق الحق و الباطل، وعمل المؤمن بإرادته و مشيئته مما يشاء الله له بالآيات المبينات، وعمل الكافر بإرادته و مشيئته مما يشاء هو بنفسه، ونجد من الآيات التي تدل على فعل من أفعال الكفر يشير إليه الله عز وجل بالإذن و ليس بمشيئته مثل قوله عز وجل {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}(البقرة : 102) و ليس هناك آية في كتاب الله تدل على فعل من أفعال المعصية أو الكفر بما يشاء الله بل هناك ما يدل على أن الكافر يعمل حسب مشيئته مثلاً... في قول الله عز وجل{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(فصلت : 40) وقوله عز وجل {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}(الزمر : 15)
    وكثير ما يحتج بهذه الآية على الهداية و الضلال بأنه من الله وهي قوله عز وجل {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}(الأنعام 125) هنا ذكر الهداية و الإضلال من منطلق المشيئة في الأفعال هداية الإعانة، و الهداية و الضلال من منطلق السبب بقوله عز وجل (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ) والإسلام انقياد للأفعال، والإيمان تصديق بالقلب من الأسباب، أي هناك صنفان من العباد الصنف الأول أمن بكتاب الله وثقل عليه التنفيذ هذا الذي قال عنه يشرح صدره للإسلام، ويكفي هذا الدليل على الصنف الأول {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (التوبة : 38) وفي مقدمة الآية أثبت لهم الإيمان بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وأنكر عليهم التثاقل في الأفعال (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ)، والدليل الثاني على الهداية في الفعل عندما غير الله تعالى القبلة ذكر حال المؤمنين وكيف حدث لهم تردد وأن الله هداهم إلى إتباع الرسول صلي الله عليه وسلم هداية إعانة بشرح الصدر كي لا يضيع أيمانهم فقال عز وجل {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (البقرة:143) أي أنه شرح صدورهم لتقبل هذا التغيير كي يحفظ إيمانهم .
    والصنف الثاني طبق الأفعال أسلم و لم يؤمن وهذا الذي يجعل صدره ضيقاً حرجاً و بين السبب فقال كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون كيف يضلهم وهم لا يؤمنون؟ وهذا الصنف هم المنافقون ويكفي هذا الدليل {َمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } (التوبة : 54) وفي مقدمة الآية قال عنهم كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ مع أنهم مسلمون في الفعل يأتون الصلاة و ينفقون المال.
    والدليل الثاني على الإضلال في الفعل {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (التوبة : 46) فثبط المنافقين قدراً وهذه الآية عن المنافقين أي انه جعل صدورهم ضيقة حرجة فثقل عليهم الفعل.

    ومن الأدلة القطعية التي لا تقبل الشك على أن العبد مختار بإرادته وقدرته و إشاءته و إن الله فطره على هذه السنة بقوله عز وجل { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } وقوله تعالى { َلهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(الرعد : 11)
    ومن الأسانيد لهذه الحقيقة ما قص الله في كتابه العزيز قصة العبد الصالح العالم و المعلم والذي تلقى علمه من منبع العلم الرباني مباشرة بدون قلم ولا ورقة و تلميذه رسول الله وكليم الله موسى عليه السلام في قصة قتل الغلام ذكر العالم الرباني أن سبب قتل الغلام هو { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}(الكهف : 80) السؤال المطروح هل كان العبد الصالح لا يعلم أن الله يهدي من يشاء هدايته ويضل من يشاء إضلاله؟ والأولى هدايته بدل قتله .
    وهل سيدنا موسى عليه السلام الداعي إلى الحق كان عاجزاً على أن يحتج ويقول له لماذا لا ندعوا الله أن يغيره من طالح إلى صالح بدل قتل الغلام؟ والأولى التضرع إلى الله لهداية الغلام .
    وهل عجز الله عز وجل في أن يهدى هذا الغلام حتى بدله تبديلاً بغلام خير منه زكاة و اقرب رحما؟ والأولى هدايته بدل تبديله وهو الذي يقول عن نفسه تعالى { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس : 82) وهل الضلال و الجسد لحمة واحدة لا ينفصلان حتى يصفى جسدياً؟ أين الحكمة في هذا هل غابت عن العبد الصالح و سيدنا موسى عليه السلام أم انّها سنة من سنن الله لا تتبدل أم كانا على علم {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ}(الشورى: 44) و إن الله سن سنة التبديل والاختيار ولم يسن سنة التغيير وهذا ما حدث مع قصة الغلام و أبويه المؤمنين كما يقول الله عز وجل في كتابه العزيز {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً }(الإنسان: 28) و قوله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(القصص: 68) و الاختيار و الجعل مشيئة من الله في الخلق أليس هناك عباد خلقهم من النشأة الأولى مهديين أمثال الرسل و أمثال هذا العبد الصالح و أمثال الغلام و كثير من العباد لا نعلمهم الله يعلمهم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمد : 24) {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}(النساء : 82) الم يقول الله تعالى عن كتابه العزيز {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }و الريب يعنى التردد خطوه أمام و خطوه خلف ونحن نترنح بين قوله تعالى { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}و قوله تعالى{ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}وقوله تعالى { يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}وقوله تعالى{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}وقوله تعالى{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} مع ما فُسِّرَ من معاني لهذه الآيات في كتبنا و مراجعنا، أليس مما نلحظه جميعاً هذا الريب في صدور أكثر أفراد الأمة من خلال تكرار الأسئلة على العلماء في هذا الموضوع وخصوصاً في الخفاء على المنتديات في الانترنت مع إن جميع الأجوبة مختلفة وليس فيه جواب شافي أليس هناك كثرة ممن يعيشون على المعصية وفي اعتقادهم إن الله لم يشاء هدايتهم حتى صدهم هذا الاعتقاد عن التوبة و الرجوع إلى الله، كيف نقول لا ريب فيه و نحن نتخبط ،نعم نقول بهذا الفهم للمشيئة والإرادة ذلك الكتاب لا ريب فيه ، و نقول ذلك التفسير فيه ريب .
    ألا يدل هذا الحديث القدسي على صحة ما ذهبنا إليه (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فلـيحمد الله ومن وجد غيره فلا يلومنّ إلا نفسه) لماذا لا نلوم إذا كان الموضوع كما فسر بعض العلماء إن الله هو الذي يضل من يشاء و يهدي من يشاء (فعل).
    ولا يضل الله أحد من عباده إلا من ضل بنفسه وتكبر وأعلن حربه على الله ورسوله و اعرض وهو يعلم يقيناً انه الحق كما قال عز وجل {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام :33 ) والجحود هو ما تستيقن به النفس ولا تقر به كما قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}(النمل 14 ) و مثل ما تكبر إبليس و أعلن رفضه لأمر الله فطرده من رحمته هكذا كثير من العباد فعل مثل ذلك وعندما علم الله بأنه لن يعود ضله الله على علم كما قال عز وجل {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية : 23) ومن الغريب إنِّي وجدت في كتب التفسير في تفسير قول الله عز وجل {اِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ .. ِلمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} قول للمفسر وساق فيه حديث يقول عندما نزلت هذه الآية قال أبو جهل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا و إن شئنا لم نستقم ويقول المفسر وهذا هو القدر وهو رأس القدرية، ولقد صدق أبو جهل في قوله وهو كذوب.
    اسمع هذا السؤال و الجواب وتدبر جيداً وهو أخر سؤال سوف يطرح من خزنة النار قول الله تعالى{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ..قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ..َفاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}(الملك 11.10.9.Cool هل قالوا ضلنا الله أو خزنة النار قالوا لهم إن انتم إلا في ضلال من الله كبير ،فلا يدخل النار إلا مذنب معترف بذنبه عدلاً من الله و ليس لله يد في دخولهم النار .
    وهل نقول بعد اليوم شاء الله أن يدنس المسجد الأقصى و أن يذبح أبناؤنا و أخوننا في فلسطين و الله يقول في مشيئته وقدره {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }(التوبة 41) {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرا }(النساء 75) ولماذا أهل البغي و الكفر يعتون في أرضنا و مقدساتنا فسادا و نحن أصحاب الحق والأيمان نغلل أنفسنا، بقدر الله وما شاء فعل، وهو يقول في مشيئته و قدره انفروا {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(التوبة 39)
    أليس ما نعيشه اليوم واقع اليم مما نتلقى من إهانات في ديننا و أعراضنا و مقدساتنا و مما نرى و نشاهد من تنكيل و قتل و ذبح و تجويع بالجملة على شاشات القنوات الفضائية أليس هذا عذاب اليم أليس هذا وعيد الله قد أنجز فينا في قوله تعالى { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} من منا لا يشعر بهذا العذاب المهين و الأليم ونحن أمة المليار والنصف مليار مسلم، أم انه تقطع عقد هذه الأمة و تفرق شملها بسبب عقائد واهية مزقت بها إرب و وصل بنا الحال إلى تكفير بعضنا و الطعن في رموز الإسلام و أعلام الأمة الذين لو رجع واحد منهم فقط اليوم لا أقام بنا صلاة الفجر في المسجد الأقصى، هل عرفت أخي المسلم وأختي المسلمة كيف سادوا صحابة رسول الله العالم في سنوات معدودة بقلة عددهم وعدتهم لأنهم امنوا بالله وطبقوا مشيئة الله كما شاء الله و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولم يفرقوا كتاب الله ولم يتفرقوا هم بكتاب الله، كما شاء الله كانوا أشداء على الكفار رحما بينهم تراهم ركعاً سجداً يرجون فضل من الله ورضوان قاتلوا بقلب رجل واحد وهم على إيمان و يقين{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}هذه عقائدهم التي سادوا بها العالم، ونحن ما هو دورنا وما هي حجتنا أمام الله إذا سألنا لماذا لا تنفروا في سبيل الله و مقدساتكم و حرماتكم تدنس بماذا نجيبه هل نقول كنا {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } و ما ضيع المسلمين إلا هذه الكلمة أنا خير منه و تفرقنا بها فرق والله عز وجل يقول{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ ي

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 3:35 pm